لم يتم تحديد قانونية الأسفار السبعة والعشرين الخاصة بالعهد الجديد دفعة واحدة، إنما تم ذلك على دفعات، ولم يكن الأمر سهلًا بالنسبة لبعض الأسفار التي احتاجت وقتًا طويلًا لإقرار قانونيتها، وقد رفضت الكنيسة كم ضخم من كتب أبو كريفا المزيفة، والتي حملت أسماء الآباء الرسل كنوع من الخداع، وكان لا بد من الفرز الدقيق جدًا، والإجماع العام على قانونية كل سفر على حدة، ولذلك استغرقت بعض الأسفار نحو قرنين من الزمان لإقرار قانونيتها ( وليس كتابتها أي لم يكن المشكلة في المحتوي الكتابي للرسالة، لكن في تحديد هوية الكاتب فقط ) ، وهذا لا يعد عيبًا ولا عوارًا، إنما يكشف عن مدى أمانة ودقة وجدية المسيحيين في تقرير قانونية سفر معين.
أولًا: رسائل بولس الرسول
– أول سفر في العهد الجديد وهو الرسالة الأولى لأهل تسالونيكي نحو سنة 49/50م. ثم توالت رسائل بولس الرسول.
– آخر رسالة كتبها بولس الرسول هي رسالته 2 تيموثاوس .
– حملت رسائل بولس الرسول في مجملها الطابع المؤقت للمكان والزمان، إلاَّ أن المؤمنين في كل مكان رأوا فيها فوائد روحية عظيمة وخبرات تصلح لكل زمان ومكان، فانتشرت هذه الرسائل على مستوى الكنيسة الجامعة.
– شجع بولس الرسول أولاده على تداول هذه الرسائـل معًا ” وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هذِهِ الرِّسَالَةُ فَاجْعَلُوهَا تُقْرَأُ أَيْضًا فِي كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ، وَالَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ تَقْرَأُونَهَا أَنْتُمْ أَيْضًا.” (كو 4 : 16).
– لم يشر بولس الرسول في رسائله للأناجيل الأربعة، وما اقتبسه بولس الرسول من أقوال وتعاليم السيد المسيح اقتبسه من التقليد ( الإنجيل) الشفاهي.
مثال: في قول بولس الرسول لقسوس أفسس ” مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ” (أع 20 : 35) مع أن هذا القول لم يدوَّن في الأناجيل المكتوبة، لكنه كان معروفًا من خلال كرازة الآباء الرسل.
– لقد اطلع بطرس الرسول علي رسائل معلمنا بولس الرسول، كتب عنها، وساوى بينها وبين أسفار العهد القديم : ” 15 وَاحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصًا، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَهُ،16 كَمَا فِي الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضًا، مُتَكَلِّمًا فِيهَا عَنْ هذِهِ الأُمُورِ، الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ، كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ. ” (2بط 3 : 15، 16).
– يرى البعض أن الذي قام بجمع رسائل بولس الرسول، هو “أنسيمس” العبد الهارب (الذي صار أسقفا) من سيده فليمون.
ثانيًا: الأناجيل الأربعة وسفر الأعمال
1- أول إنجيل تم كتابته باللغة اليونانية هو إنجيل مار مرقس.
2- ثم تم كتابة إنجيل معلمنا متي البشير، ثم إنجيل لوقا الإنجيلي وأيضا سفر أعمال الرسل.
+ ودعيت الأناجيل الثلاثة هذه بالأناجيل الإزائية أو المتشابهة نظرًا لتشابهها إلى حد كبير في الخطوط الرئيسية.
+ قبلت الكنيسة هذه الأناجيل الثلاثة عقب كتابتها لأنها جاءت مطابقة تمامًا للإنجيل الشفاهي الذي تعلمته الكنيسة واستقر في وجدانها وطبقا للشروط التي وضعتها الكنيسة لتحديد مدي قانونية الأسفار.
3- كتب يوحنا الحبيب إنجيله قبل نهاية القرن الأول، وكان معلمنا يوحنا مطلعا علي الأناجيل الثلاثة، لكنه لم يعتمد عليها ( لم ينقل منها – بدليل أنه انفرد بذكر الأمور لم يتم ذكرها في الأناجيل الثلاثة الأخرى).
+ يذكر يوسابيوس القيصري عن يوحنا الحبيب:
أ) أنه قضي معظم وقته وقته في نشر الإنجيل شفويًا.
ب) قبل الأناجيل الثلاثة بشدة، وشهد لصحتها، لكنه وصف أن هذه الأناجيل لم تصف أعمال السيد المسيح منذ بداية خدمته، إذ أن الإنجيليين الثلاثة دوَّنوا الأعمال التي فعلها المخلص بعد سجن يوحنا المعمدان بسنة.
+ قبلت الكنيسة إنجيل يوحنا بسرعة.
+ انتشرت الأناجيل الأربعة بسرعة، وقد تم ضم إنجيل يوحنا للأناجيل الثلاثة عام 120م (ووجدت في مصر قبل نهاية القرن الأول.)
+ مع بداية القرن الثاني كانت قد أُقرّت قانونية الأناجيل الأربعة وأيضًا سفر الأعمال.
4- قبل نهاية القرن الثاني كانت الأناجيل الأربعة قد ترسخت وانتشرت في الكنيسة.
+ حظي إنجيل متي القبول الأوسع والأسهل في المجتمع المسيحي.
+ وبالمثل إنجيلي مرقس ولوقا وجدا اعترافا سريعا وانتشارا سريعا.
+ إنجيل يوحنا كان انتشاره وراء حدود أسيا الصغري أصعب جزئيا من باقي الأناجيل نظرا لأن الغنوسيين كانوا يستخدمون آياته ويحرفون فهمها.
المعايير التي وضعتها الكنيسة للتمييز بين الأسفار القانونية والأسفار المزيَّفة:
1– أن يكون كاتب السفر هو أحد أنبياء العهد القديم، أو أحد رسل العهد الجديد.
2– أن يكون لكاتب السفر حياته المقدَّسة، ونقاوة السيرة.
3– أن يُعلّم السفر طريق الله بصورة أمينة وصحيحة، وأن يكون السفر خاليًا تمامًا من أي تناقضات
+ سواء بين آياته أو مع الأسفار الأخرى التي أقرتها الكنيسة.
+ بعيدًا تمامًا عن روح الكذب ” لا يمكن أن الله يكذب” (عب 6: 18) أو المبالغات وأتبع أباء الكنيسة المبدأ القائل ” إذا خامرك الشك في سفر فألقه جانبًا“.
+ متوافقا مع قانون الإيمان المسيحي.
4– أن يُظهِر السفر قوة الله وعمله، ويكون للسفر تأثيره على النفس البشرية ” لأن كلمة الله حيَّة وفعَّالة” (عب 4: 12) أي أن السفر القانوني لا بُد أن يتمتع بالسلطان الإلهي الفعَّال.
+ هذا السلطان الإلهي هو الذي يجعل الكتاب المقدس له نفس التأثير علي الإنسان مهما تمت ترجمته، ومهما اختلفت عقلية وثقافة المتلقي للسفر.
+السفر يجب أن يكون نافعًا لبنيان الكنيسة عند قراءته في الاجتماعات العامة للكنيسة.
5– قبول المعاصرين للكاتب لهذا السفر.
– فالذي قبل أسفار العهد القديم هم رجال كنيسة العهد القديم، والذي قبِل أسفار العهد الجديد هم رجال كنيسة العهد الجديد الذين عاصروا الأحداث أو تتلمذوا علي يد الأباء الرسل والتلاميذ المعاصرين الفعليين للأحداث.
+ مثال: قبِل أهل تسالونيكي رسالة معلمنا بولس الرسول الذي كتب يقول لهم ” من أجل ذلك نحن أيضًا نشكر الله بلا انقطاع. لأنكم إذ تسلَّمتم منا كلمة خبر من الله قبلتموها لا ككلمة أناس بل كما هي بالحقيقة ككلمة الله التي تعمل أيضًا فيكم أنتم المؤمنين” (1تس 2: 13).
+ توضيح هام:
– يعتقد البعض بأن قانونية الأسفار أُقرت بواسطة المجامع العامة للكنيسة، لكن هذا غير صحيح، فالمجامع الكنسية كانت تقوم بالإعلان عن الأسفار التي ترسخ قبولها في ضمير الكنيسة لفترة من الوقت سابقة لإنعقاد المجمع.
– من أهم الأمور التي كانت توضح وتؤكد قانونية السفر هو مدى تميزه بالملامح الرسولية (يجب أن يكون الكاتب هو واحد من أبائنا الرسل).
– تمت إقرار قانونية الأسفار بمعونة الروح القدس وإجماع وتوافق الآراء بصورة تامة. وليس بالأغلبية ولا بالإقتراع وليس حسب الآراء الشخصية.
ثالثًا: رسالة بطرس الأولى ويوحنا الأولى
– تم إقرار قانونية هاتين الرسالتين قبل رحيل ( قبل نهاية القرن الأول) كلا من معلمينا بطرس ويوحنا من هذا العالم.
+ مع بداية القرن الثاني كان تم إقرار قانونية 20 سفرا في العهد الجديد :
– الأناجيل الأربعة – سفر الأعمال – ( 13) رسالة لبولس الرسول – ورسالة بطرس الأولى، ورسالة يوحنا الأولى.
– لقد قبلت الكنيسة هذه الأسفار بلا أي شك أو اعتراض، إذ أن الأسفار كانت كافية جدًا للإيمان المسيحي بجميع جوانبه، فلا توجد أي عقيدة إيمانية خارج إطار هذه الأسفار.
رابعًا: الأسفار السبعة التي تأخر الاعتراف بها:
الرسالة إلى العبرانيين – رسالة يعقوب– رسالة بطرس الثانية– رسالتا يوحنا الثانية والثالثة– رسالة يهوذا – رؤيا يوحنا.
يتبع فى المقال القادم