ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا

هل المسيح يشجعنا علي حمل السيف والعنف ؟؟
مما لا شك أن أي إنسان مسيحي يعرف تماما أن رسالة السيد المسيح هي رسالة سلام ومحبة ، لكننا أصبحنا نعيش في عالم ( حقيقي أوافتراضي ) أصبح يشككنا في كل شيء وخاصة مانعتبره أمورا مسلم بها ، لذلك سنستعرض مثالا لهذا التشكيك :

لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا.35 فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا.36 وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ.37 مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي،38 وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُني فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي.39 مَنْ وَجَدَ حَيَاتَهُ يُضِيعُهَا، وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا.  ( مت 10 : 34- 39 )

كيف يدعُ المسيح  لحمل السيف ؟؟ أين السلام الذي تدعُ له المسيحية ؟؟ ألا تُعَد هذه الآية دليلا علي العنف في الكتاب المقدس ؟؟


أولا :   من الناحية التاريخية

1- كان اليهود يتصورون أن المسيح سيأتي ليعطيهم سلاماً زمنياً ونصرة على الرومان (تلميذيّ عمواس). لكن السلام الذي يعطيه السيد المسيح هو سلام داخلي ينتصر على الآلام والضيقات الخارجية .
2- كان المؤمن معرضاً في أيام الإستشهاد لأن يُقتل، فتأتى أمه تستعطفه ليترك الإيمان من أجل خاطرها، فيتركوه يحيا. لكن بهذا يصير حبه لأمه أكثر من حبه للسيد المسيح، إذ أنكر المسيح، وبهذا صار لا يستحقه = فلا يستحقنى ( 38 )
3- لقد كان اليهود يعرفون جيدا أنه حينما يأتي يوم الرب ( بظهور المسيا المنتظر ) ستحدث انقسامات خطيرة في العائلات ( بين من يقبلون الدعوة ومن يرفضونها )
وكان من بين أقوال ( الربيين ) المشهورة : عندما يأتي ابن داود ستقوم الإبنة علي أمها ,والكنّة علي حماتها , ويحتقر الإبن أباه , ويصير أعداء الإنسان هم أهل بيته .

+ تكلم السيد المسيح في الأيات السابقة مع تلاميذه بصورة واضحة جدا وصريحة  :
+ وكأنما أراد السيد المسيح بكلماته في هذه الأيات ليعلن لهم أن المسيا الذي ينتظرونه ( الذي سيحدث قبوله أو رفضه ) انقساما في العائلات قد ظهر .
– وهذا شيء طبيعي ..فالناس دائما يختلفون تجاه قبولهم أو رفضهم لظهور أي شيء جديد ( شخصية أو نظرية أو فكرة ………..)  .

++ من أصعب المواقف التي نختار فيها بين ولاءنا للمسيح وبين عواطفنا تجاه أقرب الناس إلينا .
4- كان أهل الجليل يعلمون جيدا معني حمل الصليب :

– فعندما جاء القائد الروماني ( فاروس –  Varus ) ليقضي علي ثورة يهوذا الجليلي قام بصلب أكثر من ألفين من اليهود وجعل الصلبان علي جانبي الطريق في الجليل …وكان علي المجرم أن يحمل خشبة الصليب بنفسه إلي مكان الصلب .
– ولاشك أن الكثيرين الذين استمعوا إلي حديث السيد المسيح ( بخصوص حمل الصليب ) كانوا قد رأوا بأنفسهم الكثير من الجليليين وهم يحملون علي كواهلهم الصلبان الثقيلة …فتخيلوا وفهموا جيدا مايقصده السيد المسيح وأدركوا ماقصده السيد المسيح أن من سيحمل رسالته سيواجه الكثير من الإضطهادات والمشاكل من العالم

              ( ماجئت لألقي سلاما بل سيفا = اضطهادا علي من سيحمل رسالة المسيح )

++ فقد يتطلب الأمر من الإنسان المسيحي أن يضحي بطموحاته وراحته ومستقبله الأرضي ( الذي كان يحمله به ) في سبيل طاعته للمسيح .
– فالسيد المسيح جاء ليؤكد أن لامكان لفلسفة  ( الأمان أولا ) والراحة والمناصب في المسيحية …بل الهدف هو أن يخدم المسيحي إلهه وبني جنسه . 

ثانيا : من الناحية اللغوية
– سنطرح معنيين للسيف

أولا : الصليب = الإضطهاد

– كما يتضح من الخلفية التاريخية ..فإن الصليب يعني الاضطهاد  الذي سيتعرض لهم المسيحيين بسبب ايمانهم. في هذا التعبير المسيح يعرف جيدا انه بارساله لتلاميذه هذا سيثير الشيطان واعوانه من البشر الاشرار ليثيروا حرب علي الكنيسة وعلي المسيحيين فيصل الإنقسام لدرجة ان الأب الغير مؤمن يسلم ابنه المسيحي للموت وتستشهد الابنة بسبب كنتها التي تبلغ عنها انها مسيحية. فهو يتكلم عن الاضطهاد وهو ما يسميه نار  

– فقد كان كلام المسيح واضح جدا انه يتكلم عن اضطهاد كنيسته . وهذا الإضطهاد هو (  عدم السلام الخارجي ولكن في قلب ابناؤه يملأهم بالسلام – ويسميه السيد المسيح نار )

لم يكن الانقسام صادرًا من السيد المسيح، بل كان صادرًا من رفض الوثنية للإيمان الذي نادى به المسيح. وهكذا أنذر السيد المسيح تلاميذه، بأن انقسامًا لابد أن يحدث. وأنهم في حملهم لرسالته، لا يدعوهم إلى الرفاهية، بل إلى الصدام مع الانقسام.

لذلك قال لهم :
-” فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ» ” ( يو16: 33)
– تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ ” (يو16: 2)
– “ إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ ” (يو15: 18-20).

لقد وقف السيف ضد المسيحية. لم يكن منها، وإنما عليها.

وعندما رفع بطرس سيفه ليدافع عن المسيح وقت القبض عليه، انتهره ومنعه قائلًا “ رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ ” ( مت26: 52) .

وكانت نتيجة السيف الذي تحمله المسيحيون، ونتيجة انقسام الوثنيين واليهود عليهم, مجموعة ضخمة من الشهداء.

ثانيا
لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. ( مت 10 : 34 )
– لاحظوا معي أن السيد المسيح قال ( ألقي سيفا ) …وهذه الكلمة جاءت ترجمتها من اليونانية بمعني
(يلقي , يلقي بعيدا , يطرح , يستلقي , يسكب, يضع ,  …) .

فالكلمة تحمل معني ( التخلص – ويلقي بعيدا )
 واكثر استخدام لها في العهد الجديد كان بهذا المعني :

 المسيح لم يقل انه جاء ليرفع السيف او ليشهر السيف بل قال يلقي السيف ويطرحه بعيدا 

فكل من يعترف بالسيد المسيح لا يطرح عنه السلام بل يطرح السيف ( العنف ) بعيدا .
– عندما نقرأ ( متي 10 ) جيدا سنتأكد من أن كلام المسيح بعيدا تماما عن الدعوة للحرب أو العنف :

    + سنستعرض بعض أيات من ( متي 10 ) :
-اشفوا مرضى طهروا برصا اقيموا موتى اخرجوا شياطين(ع8)..(الكرازة هنا من اجل أعمال روحية وليس لإضطهاد الآخر أو محاربته )
– و حين تدخلون البيت سلموا عليه( دعوة سلام خالصة ) ( 12 )

-فان كان البيت مستحقا فليات سلامكم عليه و لكن ان لم يكن مستحقا فليرجع سلامكم اليكم(ع13) لم يقل اقتلوه أو عاقبوه
-ارسلكم كغنم في وسط ذئابفكونوا حكماء كالحيات و بسطاء كالحمام(ع16)
-و لكن احذروا من الناس لانهمس يسلمونكم الى مجالس و في مجامعهم يجلدونكم(ع17) ( لم يعد السيد المسيح التلاميذ بالخيرات الأرضية ،بل أن النس ستضطهدهم)
-و تساقون امام ولاة و ملوك من اجلي شهادة لهم و للامم.فمتى اسلموكم فلا تهتمواكيف او بما تتكلمون لانكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به(ع 18 -19 )
-و سيسلم الاخ أخاه الى الموت و الأب إبنه و يقوم الأولاد على والديهم و يقتلونهم.وتكونون مبغضين من الجميع من اجل اسمي و لكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص.ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا الى الأخرى( ع 21- 23 )

-ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد و لكن النفس لا يقدرون ان يقتلوها (ع 28) ( دعوة لطمأنة التلاميذ)
++ فأين الكلام عن الحرب هنا وحمل السيف ؟ الكلام كله عن السلام وعن الوداعه ومحبة الاخرين وشفاء الامراض واخراج الشياطين :

فالمسيح ضد حمل السيف تماما فهو قال

– فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!( مت 2 : 52 )
– «سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ.                 ( يو 14 : 27)

وبالطبع هو يعلن أنه ملك السلام وإله السلام ومن يقبل المسيح في داخل قلبه يكون في قلبه سلام

قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ».( يو 16 : 33 )

عن Fr Philopater Magdy

ماجستير العهد القديم . تمهيدي ماجستير العلوم اللاهوتية دراسات في اللاهوت الدفاعي

شاهد أيضاً

خطايا الأنبياء وعصمتهم في الكتاب المقدس

خطايا الأنبياء وعصمتهم في الكتاب المقدس – من ضمن الأمور التي يستخدمها بعض المشككيين في …