قسوة أم عدل من الله..؟؟

أصبحنا نعيش في زمن نري البعض يتهم الله بالقسوة، وانه لا يشعر بالألم والمعاناة اللي يعيشها الإنسان في حياته على الأرض.

فتعريف كلمة قاسي: “عدم الإكتراث أو السرور بالتسبب في الألم والمعاناة، ما نريد أن نسأله هنا لأولئك المشككين:

أولا: كيف عرفوا إن كان ربنا سعيد أم لا، كيف عرفوا فكر الله؟

“لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ” (اشعياء 55: 8-9).

ثانيا: هل يعرف هؤلاء المشككون الظروف التي قام فيها الله بهذه الأفعال معرفة كافية؟ هل يعرفون دوافع الله معرفة كاملة؟

– دعني أوضح أننا مخلوقين (محدودين بالزمن والمكان والشر والموت)، والله وحده هو الخالق (غير محدود في أي شيء).
– لكي نتفاهم مع أي شخص يجب أن يكون هناك تكافؤ في الفكر بين الشخصين، أو نستطيع أن نحتوي ونستوعب فكرة الشيء أو الأمر أو الشخص الذي نتعامل معه.
 + لا يمكن أن ننكر أن الله يسمح بالألم والمعاناة والظلم والقسوة في هذا العالم الذي نحياه، لكن أيضا لأن الله عادل وبلا خطية فهو يعاقب الأشرار ويهلكهم حينما يرفضون التوبة ويقاومون عمل الروح القدس.
لذا فإنه لا يمكن أن نطعن في صلاح الله بسبب أنه يفعل أو يسمح بأمور يبدو فيها قاسياً بالنسبة لنا أو علي الأقل لا نستطيع أن نقبلها بفكرنا ومحدوديتنا.

– لتوضيح الأمر أكثر ، يجب أن نضع في إعتبارنا عدة نقاط ( علي سبيل المثال وليس الحصر ) :

أولا: كلمة عقاب لا تعني بالضرورة القسوة ، لكنها تعني أيضا العدل( حينما يعاقب الله الأشرار) .

– اذا كان عقاب الله عادلاً، فهل يمكن أن يقال أنه قاسٍ؟
– محبة الله لا تضمحل عندما يعاقب شعبه. يستطيع الله أن يدين مجموعة خاطئة من الناس لكي ينجي الأمناء له.
– السماح بالشر والخطأ أن يمرا دون عقاب يعتبر بالتأكيد قساوة وإهمال تجاه الأبرياء، وهنا سيصبح الله ظالما ( حاشا).  
مثال: أ) عندما جعل الله البحر الأحمر يعود الى مجراه بعد أن انشق، وأغرق بذلك جيش فرعون كله، كان الله يعاقب تمرد فرعون ضده ويحفظ شعبه المختار من مجزرة وإبادة مؤكدين (خروج 14).
–  فالخطأ الذي لا يُعاقَب ينتج عنه خطأ أكبر وأعظم، مما لا يفيد أي شخص ويعوق الصالح العام.

ب) عندما قال الله لشعب اسرائيل أن يبيدوا الشعوب الكنعانية، بما في ذلك النساء والأطفال، كان يعلم أن السماح لهم بالحياة يعني وجود أجيال في المستقبل تعيش في ممارسات شريرة ووثنية – بما في ذلك تقديم الأطفال كذبائح للألهة الكاذبة (راجع سفر يشوع)

– كما أن هذه الأطفال ستكبر وتعيش في الوثنية وتعيش في الشر والرذيلة،  بالإضافة إلي الأمراض الوراثية التي كانت جينات هؤلاءالأطفال والتي ستؤدي إلي  وجود أمراض مسقبلية ( راجع الأمراض التي كانت ناتجة من النجاسة بين هذه الشعوب ) ، بالتالي من الطروحات المنطقية هنا أن موت الأطفال بهذا الشكل ( الذي لا مفر منه ) يضمن ليهم السماء، حيث أنهم أبرياء لم يقترفوا أي ذنب.

2-الله يحول كل أمر لخير أعظم :

 أحياناً يستخدم الله الألم والمعاناة لكي يكونا وسيلة للخير ولمصلحة الإنسان
مثال : أوروبا  لم تعرف التحضر وقيمة حقوق الإنسان إلا بعدما مرت بالحربين العالمية الأولي والثانية .
”  2 اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ،3 عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. 4 وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ. ( يع 1 : 2 – 4 )  .

+  أما بالنسبة لغير المؤمنين، فإن عدل الله يتحقق عندما يجعلهم يختبرون الألم والمعاناة، وهو يظهر رحمته تجاههم من خلال تحذيرهم مرات متكررة من عواقب الخطية، وعندما يجلبون على أنفسهم المصائب من خلال تمردهم يكون هذا جزاءاً عادلاً، وليس قسوة من الله.

– ألا يعتبر سماح الله للناس المتمردة عليه أن تظل علي قيد الحياة وتتمتع بخيره (الكون – الهواء – المياه …) هو قمة الحب والرحمة تجاه حتي الذين يرفضونه؟

3-الألم هو مدرسة تصحيح المفاهيم وإبراز القيمة الحقيقة للأشياء التي يتعلق بها الإنسان:

– إذا قرأنا الكتاب المقدس بعناية، نرى الله يعمل من منطلق محبته لنا وليس من منطلق القسوة أو الإنتقام من الإنسان.
– دائما ما يستخدم المشككون في محبة الله تجاه الإنسان سفر أيوب كمثال على أفعال تثبت قسوة الله ضد إنسان بريء (أيوب)، وبالطبع ينطبق ذلك على كل من يقرأ هذه القصة بدون تدقيق.
++ كان المعتقد السائد في أيام الآباء في الشرق الأدنى أن الله دائماً يبارك الأبرار ويجلب الألم على الأشرار.
–  ويمثل سفر أيوب تصحيحا لهذه الفكرة المغلوطة عن الله. فالله يستخدم الألم والمعاناة لإبعاد الناس عن أمور العالم التي يمكن أن تغريهم بسهولة.
 فا أيوب نفسه كان محتاجا لتصحيح مفاهيم مغلوطة ويتخلي عن بره الذاتي:


+ ” «وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ضَحِكَ عَلَيَّ أَصَاغِرِي أَيَّامًا، الَّذِينَ كُنْتُ أَسْتَنْكِفُ مِنْ أَنْ أَجْعَلَ آبَاءَهُمْ مَعَ كِلاَبِ غَنَمِي. ( أي 30 : 1 ) .
+لِيَزِنِّي فِي مِيزَانِ الْحَقِّ، فَيَعْرِفَ اللهُ كَمَالِي. ( أي 31 : 6 ) .

في الختام : فإن فهمنا لموضوع عدل الله يحتاج أن نتضع كثيرا ، ونراجع كيف أحب الله الإنسان في ضوء  تجسده ، وفدائه للإنسان، فصليب السيد المسيح يعلن لنا عن محبة الله وعدله تجاهنا ، ويدرك الإنسان أن القسوة لا توجد إلا في قاموس تعاملات الشيطان مع الإنسان .

عن Fr Philopater Magdy

ماجستير العهد القديم . تمهيدي ماجستير العلوم اللاهوتية دراسات في اللاهوت الدفاعي

شاهد أيضاً

خطايا الأنبياء وعصمتهم في الكتاب المقدس

خطايا الأنبياء وعصمتهم في الكتاب المقدس – من ضمن الأمور التي يستخدمها بعض المشككيين في …