جال السيد المسيح شتى أرجاء فلسطين يكرز ببشارة الملكوت،يعمل المعجزات .
– لم يكتب إنجيلًا ولم يوصي أحدًا من تلاميذه بكتابة الإنجيل، إنما كرز بالإنجيل أي البشارة المفرحة والأخبار الطيبة السارة بقرب ملكوت الله.
– قدّم للتلاميذ والرسل شخصه المبارك إنجيلًا معاشًا.
-وقبل صعوده للسماء أوصى تلاميذه أن يكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، وفهم التلاميذ قصده، أعطاهم وعده أنه متى صعد للسماء فأنه سيرسل لهم الروح القدس يذكرهم بكل ما قاله لهم حتى يكرزوا به، ولم يفكر أحد من التلاميذ في تلك الأيام أن يسجل ويُوثّق أقوال السيد المسيح وأعماله ومعجزاته وحياته، إنما أطاعوا وصية الرب يسوع وبذلوا قصارى جهدهم في الكرازة للعالم كله، مقدمين شهادة حيَّة عما شاهدوه بأعينهم وسمعوه بأذانهم .
++ في ملاحقة رجال الدين اليهودي للتلاميذ نجدهم لم يكذبوا شهادة الرسل للمسيح، ولكن يحاولون منعهم عنها فيعجزون،
لأن الدعوة كانت بتأييد الروح القدس
والمعجزات الباهرات، والحياة المسيحية الفريدة القائمة على أعمال الروح القدس والظاهرة فيهم،
ونرى المسيحيين الجدد “يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ” (أع 2 : 42)، مستبسلين في المواظبة عليه، مع اضطهاد السلطات لهم” .
– انتشرت المسيحية انتشارا واسعا، وكل ما كان يملكه المؤمنون هو إنجيل شفاهي، تسلَّموه من أفواه الآباء الرُّسـل، وحفظوه بأمانة كاملة في قلوبهم، وعملوا به في حياتهم.
إن كان الإنجيل الشفاهي كافيًا، فما هيَ الضرورة التي دعت لتدوينه كتابة؟
1ـــ بعد مرور نحو ربع قرن من الزمان مات واستشهد المؤمنون الذين شاهدوا السيد المسيح وشهدوا معجزاته وسمعوا أقواله، فشعر المؤمنون أنهم بحاجة لإنجيل مدوَّن بيد الآباء الرُّسل الأطهار قبل أن ينتقلوا إلي السماء.
2- وُلِدت الكنيسة في وسط يهودي مُعادٍ للسيد المسيح وأتباعه، وحاول اليهود منذ البداية تزييف الحقائق، واتهموا المسيحيين بأنهم مضلُّون وهم ضد الناموس وضد الدولة، فكان لا بد من الكتابة لإعلان الحقائق.
3- بعض من تلاميذ يوحنا المعمدان يظنون أن يوحنا المعمدان أعظم من المسيح لأنه جاء قبله.
++ كان الإعتقاد السائد:
أن الذي يأتي أولًا له كرامة أفضل مثلما جاء موسى قبل يشوع، وإيليا قبل أليشع، وأيضًا لأن يوحنا المعمدان عمد المسيح.
فكتب الإنجيليون وأوضحوا أن السيد المسيح حتي وإن جاء بعد يوحنا، لكنه هو قبله: ” يُوحَنَّا شَهِدَ لَهُ وَنَادَى قِائِلًا هذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ إِنَّ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي صَارَ قُدَّامِي لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي” (يو 1 : 15)،
وأن يوحنا جاء كملاك ورسول يتقدم الملك: ” كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ. هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ” (مر 1 : 2)،
والسيد المسيح أعتمد من يوحنا ليكمل كل بر: ” “وَلكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلًا: «أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!»” (مت 3: 14).
4- كانت هناك حاجة للربط بين بعض نبوات العهد القديم وتحقيقها في حياة وأعمال السيد المسيح.
+ فنجد مثلا متى الإنجيلي ربط بين هذا وذاك، فذكر الكثير من النبوات مثل ولادة المسيح من العذراء، وهروب العائلة المقدَّسة إلى أرض مصر وعودتها منها.
+ وهذا كان يتمشى تمامًا مع منهج السيد المسيح، فعندما التقى بتلميذي عمواس حدثهم عن هذه النبوات، وفتح أذهان التلاميذ ليفهموا كُتب العهد القديم، وبهذا أوضح الإنجيليون أن المسيحية لم تنشأ من فراغ بل لها جذورها العميقة الضاربة في أعماق الأسفار المقدَّسة على مدار نحو ألف وخمسمائة عام.
5- بعد أن أصبحت الكرازة في أرجاء العالم كله ، كان يجب أن يكون هناك الإنجيل المكتوبة ، حتي يستطيعوا الأباء الكارزين والرسل أن يجيبوا عن الأسئلة الإيمانية، ولا سيما بالنسبة للذين لم يشاهدوا السيد المسيح ومعجزاته ، فأرادوا أن يروا ويسمعوا من خلال الإنجيل المكتوب الموثَّق بيد الآباء الرسل والمُوحَى به من روح الله القدوس، حتى يتجنبوا سوء الفهم.
6ـــ كان الآباء الرسل يواظبون على الصلوات الليتورجية، وكان المؤمنون: ” يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ” (أع 2 : 42)، فكان الآباء الرسل هم الذين يقدمون التعليم، وصاروا حراسًا لذلك التقليد المقدَّس Holy Tradition، لكن مع إنتشار الكرازة أصبحت هناك حاجة لنص مكتوب للصلاة به في الصلوات الليتورجيا ( القداس ، ….) .
7ــ عندما بدأت تظهر بعض الآراء الشاذة وبعض البدع والهرطقات مثل بدعة التهود والغنوسية صار هناك ضرورة لوثيقة مكتوبة يتم الرجوع إليها.
++ فكتابات يوحنا حوت الرد على الغنوسية وإنكار التجسد الإلهي، وأوضح بولس الرسول بعض القضايا الهامة مثل الناموس والنعمة.
8ـ كانت هناك استفسارات عديدة عن قضايا يومية وأسئلة مثارة.
+ مثل كيف نتعامل مع المضطهدين؟، وكم مرة نغفر لهم؟ وكيف نقابل اضطرابات العالم؟ لذا كانت هناك حاجة ملحة لوجود نص كتابي مكتوب بين أيدي الكنيسة خاصة مع انتشار الكرازة ونياحة الذين عاصروا السيد المسيح وسمعوه بأنفسهم.
لماذا لم يكتب السيد المسيح الإنجيل؟
أولاً: اليهود لم يكونوا على معرفة بالكتابة والقراءة فكان هو الانجيل شخصياً لهم يعلمهم وهو يتجول في ربوع فلسطين فهو النموزج والمثل والقول .لانه كان يخاطب العديد من الناس الذين قد يكونوا لا يعرفوا القراءة او الكتابة مثل الصيادين والفقراء وغيرهم …فالذين يعرفوا القراءة والكتابة رفضوه مثل الفريسين وزعماء اليهود.
ثانياً: إذا كتب كيف سيكتب عن معجزاته هل سيقول شفيت اعمي اطعمت الجموع ابرأت أبرص؟
ثالثاً: السرد من خلال شهود العيان أفضل مما كان سيكتب لانهم اعطوا موثوقية للأحداث أكثر من كاتب يكتب سيرته الذاتية.
رابعا: المسيح هو ذاته الإنجيل، فلم يأت لكي ينقل كتاب، لأنه هو هدف وموضوع جميع الكتب وخدمة الأنبياء ومحور الأنجيل، ويجسِّد يد الله الممدودة للبشر لخلاص الإنسان ” اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ.2 كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، (عب 1 : 1- 2).
خامسا: المسيح هو مُعطي الوحي وليس المستلم الوحي كباقي الأنبياء، لأنه الله وليس إنسان، فالمسيح أعلي من أن يكتب كتاب، فهو كلمة الله.