– ليس المطلوب من الوحي ان يتكلم بشكل علمي انما المقصود هو ان يكتب الفكر اللاهوتي المراد من الكاتب ان يكتبه:
– لأن كل ما كان يركز عليه الانجيليين كان ايضاح معنى بعض الأحداث وربط كل شيء بالظهور الالهي في المسيح يسوع وفي شرح معانيـه وليس معرفة زمان ومكان الحدث، فقد عمـد الانجيليون في بعض الاحيان الى التضحية بالتسلسل الزمني .
وهذا نطبقه على الأناجيل الأربعة: كتبة الأناجيل لم يحاولوا كتابة تاريخ مرتب زمنيا لحياة الرب يسوع ،
بل كانوا يكتبون كتبا لاهوتية ترينا من كان يسوع وماذا فعل،
لذلك اصبح لدينا اربع صور لحياة واقوال المسيح : ما يحفظه الإنجيليون من أجلنا ليسوا استنساخ فوتوغرافية لجميع الكلمات وجميع أفعال يسوع، ولكن هناك شيء أكثر مثل أربعة صور تفسيرية.
كل من هذه الصور يقدم أبرز تمييز مميز لشخص يسوع وعمله وجمعت الاناجيل الاربعة معا فهي توفر وتمثل حساب متنوع ومتوازن لما قاله يسوع .
– جميع أسفار العهد الجديد كُتبت قبل نهاية القرن الأول.
1- كان السيد المسيح شخصية فريدة في تاريخ البشرية، اجتذب وراءه الآلاف، وطالما كان هؤلاء الآلاف على قيد الحياة كانوا يشهدون له بصدق وأمانة، فلم يشعر أحد أن هناك احتياج شديد لإنجيل مكتوب.
2- المجتمع اليهودي لم يكن مثقفا، معظم الناس بسطاء لا يجيدون القراءة والكتابة، ولكنهم يتمتعون بذاكرة قوية، لذا كان من السهل عليهم استظهار المعلومات وترديدها.
3- كان التلاميذ دائمي تكرار وترديد أقوال ومعجزات السيد المسيح، سلم الآباء الرسل للكنيسة ما تسلموه من الرب كقول بولس الرسول: ” لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكـُمْ أَيْضًا” (1كو 11 : 23) وعلم الآباء الرسل الشعب أن يتمسك بما يسمعـه ويحفظه في قلبه: ” تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي.. اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا” (2تي 1 : 13، 14).
– يجب ألا ننسي أن الروح القدس الساكن فيهم هو العامل في هذه الكرازة وتلك التعاليم، ينقلها من جيل إلى جيل عن طريق أُناس أمناء أكفاء: ” وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا” (2تي 2 : 2)
– الآباء الرسل اهتموا بالكرازة أكثر من تدوين الأسفار المقدَّسة.
4- أنهمك المؤمنون بإيمانهم الجديد وتوقع استعلان الرب يسوع في المجيء الثاني الذي ظنوه أنه سيأتي سريعًا، وأرادوا أن يتفرغوا للعبادة والاستعداد للمجيء الثاني، وتفشت هذه الظاهرة حتى أن بولس الرسول اضطر أن يكتب ثانية لأهل تسالونيكي يخبرهم أن المجيء الثاني لن يكون بمثل هذه السرعة التي تصوَّروها، بل لا بد أن يحدث الارتداد العام، ولا بد أن يستعلن إنسان الخطية ضد المسيح قبل المجيء الثاني، وكذلك إيمان اليهود بالسيد المسيح.
وأوصاهم بالعودة إلى أعمالهم، حتى أنه قال لهم: ” إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضًا” (2تس 3 : 10).
5- انشغل المؤمنون بالاضطهادات العنيفة التي أُثيرت ضدهم سواء من اليهود أو الرومان، حتى أن بعضهم هجر أوطانه وذهبوا يبحثون عن أماكن أكثر هدوءً يقضون فيها زمان غربتهم على هذه الأرض، ودخلت الكنيسة كلها في بوتقة الاضطهادات والعذابات والسجون والاستشهاد.
6- وضعت الكنيسة الكثير من تعاليم السيد المسيح في صلواتها الليتورجية ،وتغني بها المسيحيون وحفظوها.
7- كانت سمة العصر في القرن الأول وما قبله هو التسليم الشفاهي للتعاليم.
+ فالتعليم اليوناني والروماني اعتمد بالدرجة الأولى على الحفظ والاستظهار، حتى أن الإغريق كانوا يحفظون مقطوعات طويلة جدًا من أشعار هوميروس صاحب الملحمتين الشهيرتين “الإلياذة والأوديسا” .
+ وحفظ العرب أبيات لا حصر لها من الشعر الجاهلي ، وحفظ الصحابة القرآن قبل أن يُكتب في عصر أبو بكر الصديق نحو ثلاثين عامًا ( كان محفوظا في الصدور).مثلما أن سمة العصر الآن هو الإعتماد علي الموبايل في تسجيل ونقل والإحتفاظ بالمعلومات.
ملحوظة :
1) لقد كانت العصور الأولي تسمي بعصور الذاكرة ، ففي تلك العصور كان الإعتماد الوحيد علي الذاكرة فقط ، خصوصًا الأحداث التي شاهدتها الذاكرة فقد كانت المقدرة على الحفظ مما نستغربه اليوم. فإن الياذة هوميروس تناقلتها الأجيال مئات السنين قبل تدوينها، المشكلة أننا نقارن عصرنا الذي نعتمد فيه علي الورقة والقلم والكمبيوتر بعصور الذاكرة.
2) أوضحت بعض الدراسات أن معلمي اليهودية، الربيين، كانوا يعلمون تلاميذهم ويُحفظونهم تقاليد اليهودية في قوالب وأشكال معينة ومفردات تُحفظ عن ظهر قلب.. هذا ما جعلهم يحفظون التقليد لمئات السنين شفويًا قبل أن يوضع في شكل مكتوب.
3) وقد تبرهنت الدراسات أيضًا على أنه كان هناك بعض المذكرات الصغيرة والملحوظات المكتوبة التي اُستخدمت في حفظ أقوال الرب وأعماله كالموعظة على الجبل، والنبوات التي تنبأ بها عن الرب أنبياء العهد القديم وفسَّرها هو بنفسه لتلاميذه، وبعض أعماله ومعجزاته، ويشير القديس لوقا لمثل هذه الوثائق بقوله: “إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا. كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ” (لو 1 : 1، 2)
4) حتى بعد كتابة الأسفار المقدَّسة ظل التعليم الشفاهي له قوته وتأثيره وسلطانه،
ويذكر مايكل هولمز:
أولًا: أن الأناجيل المكتوبة كانت تمثل فقط جزءًا من تعاليم يسوع التي كانت متداولة من النصف الثاني من القرن الأول والنصف الأول من القرن الثاني (أنظر يو20 : 30، 21 : 15).
ثانيًا: وحتى بعد أن كُتبت الأناجيل، فقد استمرت التقاليد الشفوية في التداول..
ثالثًا: كـان التقليــد الشفـوي غالبًا يُقيم أكثر بكثيــر مـن المادة المكتوبة فــي وضــع ثقافــي اعتمد ووثـق فــي الذاكــرة أكثر مما هو مألوف اليوم.