مثال : ” وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا الْقَوْلَ، وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ. ” ( مر 9 : 32 )
1- أولا يجب أن نعرف أن التلاميذ والرسل كان من بينهم الكثير الذين يتمتعون بثقافة وتعليم، وكان لهم مراكز مرموقة، يجيدون اليونانية التي يكثر استخدامها في الجليل حيث موطنهم.
فمثلا: تتلمذ بطرس وأخوه أندراوس ويوحنا وأخوه يعقوب على أيدي يوحنا المعمدان، وكان متى يعمل جابيًا للضرائب مُعتمَدًا لدى الدولة الرومانية، وكان مرقس ابن أخت برنابا مثقفًا يجيد عدة لغات، وكان برنابا غنيًا مثقفًا، وكان لوقا طبيبًا ماهرًا ومؤرخًا مدققًا، وتتلمذ بولس على يدي غمالائيل وانفرد في البرية ثلاث سنوات فأضحى فيلسوف المسيحية.
2- تتلمذ الآباء الرسل والتلاميذ علي يد السيد المسيح شخصيا، ولازموه 3 سنوات، تعلموا منه كل شيء، وبينما كان السيد المسيح يكلم الشعب بأمثال، وبدون مثل لم يكن يكلمهم، ولكن الوضع كان يختلف تمامًا مع التلاميذ حيث كان يشرح ويفسر لهم كل شيء ويسلمهم أسرار الملكـوت: ” وأَمَّا على انْفِرَادٍ فَكَانَ يُفَسِّرُ لِتَلاَمِيذِهِ كُلَّ شَيْءٍ” (مر 4 : 34). وقال لهم: ” قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ اللهِ” (مر 4 : 11).
3-قبل الصليب كانت هناك أمور صعب أن يقبلها أي إنسان عادي، ومَن كان يتخيل أن يسوع المسيح هو الله المتجسد؟! ومَن كان يستطيع أن يستوعب موته بأشنع ميتة على صليب الذل والعار، محبةً في الإنسان..؟! لكن هؤلاء التلاميذ لم يتركوا السيد المسيح بالرغم من صعوبة حياة السيد المسيح على الأرض، صعوبة بعض أقواله عليهم، مثل أن كشف لهم أنه سيتألم وسيصلب …
مثال:
أ – عندما تكلّم السيد المسيح عن آلامه وأن: ” ابْنَ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ. وَبَعْدَ أَنْ يُقْتَلَ يَقُومُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا الْقَـوْلَ وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ” (مر 9 : 31، 32) فكيف يقتلون صاحب المعجزات الخارقة؟! وكيف بعد أن يقتلونه يظل ميتًا ثلاثة أيام ثم يقوم؟! ولماذا لا يقم بعد موته مباشرةً؟!
– وبعد القيامة فتح السيد المسيح أذهانهم ليفهموا الكتب: ” حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ” (لو 24: 45)، وعندما حلَّ الروح القدس عليهم ملآهم من كل حكمة وفهم ومعرفة وقوة وتحقق قول مُخلِّصنا الصَّالح: ” يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَـا قُلْتُهُ لَكُمْ” (يو 14: 26)..”
– إن كان التلاميذ وقت الحدث لم يفهموا، لكن بعد القيامة فهموا نبوات العهد القديم في ضوء العهد الجديد، وأدركوا أن العهد الجديد هو امتداد طبيعي للعهد القديم.
4- لم يكتب الإنجيليون أناجيلهم من علمهم الخاص وعندياتهم، بل أنهم كتبوا ما شاهدوه وسمعوه، والروح القدس كان مصاحبًا لهم أثناء الكتابة يرشدهم ويعصمهم من أي خطأ وارد.
ولهذا قال بطرس الرسول: ” لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ”(2بط 1: 21)، فهذه الأسفار المقدَّسة هيَ نتاج عمل إلهي وعمل بشري، لها طبيعة مزدوجة، طبيعة إلهيَّة كاملة، وطبيعة بشريَّة كاملة.
+ لم يكن الإنجيل شهادة شخص واحد ولا حتى الأربعة الذين دوَّنوا الإنجيل، ولا الثمانية الذين كتبوا أسفار العهد الجديد، إنما هيَ شهادة الآلاف الذين شاهدوا الرب يسوع وسمعوه، بل هيَ شهادة شعب وأمة. فلم نسمع أن اليهود شككوا في صدق الروايات التي ذكرها الآباء الرسل والبشيرين.
5- بساطة التلاميذ والرسل، لم تمنعهم من إبلاغ الرسالة البسيطة للبشرية بالخلاص، بالعكس ـ فإن بساطتهم تعد ضمانا لعدم تلاعبهم أو تزويرهم أو تلفيقهم لأي نص يكتبونه.
توضيح: عندما اجتمع رؤساء الكهنة مع الشيوخ والكتبة في أورشليم ومثَل أمامها بطرس ويوحنا وتحدثا بفصاحة وجراءة: ” فَلَمَّا رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَوَجَدُوا أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ، تَعَجَّبُوا. فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ” (أع 4: 13)،
فالمقصود أنهما: “عديما العلم وعاميان” أي أنهما
لم يتتلمذا في مدارس المعلمين اليهود، ولم يشغلا أي مركز في الدوائر الدينية المعروفة، وليسا من علماء اليهود مثل الكتبة والفريسيين، عاميان أي من عامة الشعب، ليس لهما مركز مرموق ولا هما من أصحاب المواهب. لقد كشفا عن مفاهيم جديدة للنبوات بمنطقٍ لاهوتيٍ عميقٍ، ومحاجاة يصعب على محامٍ أن يأتي بها. وكان هذا مثار دهشة وتعجب المستمعين، ولكن بعد أن عرفوهما أنهما كانا مع يسوع زالت دهشتهم، وكل مَن يطالع رسالتيّ بطرس الرسول، أو إنجيل يوحنا ورؤياه ورسائله الثلاث يدرك على الفور مدى علمهما الغزير، والرُقي المعرفي الذي وصلا إليه.
أدركوا أنهما من رسل السيد المسيح الذين تبعوه والتصقوا به، وآمنوا به ولعلهم بلغوا هذه النتيجة من الآتي:
1 – يحملان قوة في صنع العجائب، خاصة شفاء هذا الأعرج باسم يسوع المسيح الناصري.
2- يحملان روح المجاهرة والشجاعة في الشهادة له دون خوف أو تردد.
3- إدراكهما لأسرار العهد القديم بمفهومٍ جديدٍ.
4-مع عدم تعليمهما بثقافةٍ زمنيةٍ، يتحدان الحكماء ” 27 بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ.28 وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ، (1 كو 1: 27-28)، بل ويفحمان مجمع السنهدرين نفسه.