كثيرا ما نسمع هذا السؤال : لماذا أعطي الله الوصية للإنسان ، بالرغم من معرفة الله المسبقة بسقوط الإنسان وفشله في تنفيذ الوصية ؟ ..لماذا هذا الإمتحان الصعب المعروف نتيجته مسبقا …؟؟؟
في البداية : جعل الله للإنسان قيمة حينما خلقه علي صورته و مثاله “فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ.” (تك 1: 27)، وأعطي الله الانسان وصيته كي يحفظها ” وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ».” (تك17:2) .
لقد أعطي الله الوصية للإنسان لعدة أسباب:
1/ الله يريد الإنسان يختار أن يحيا معه بإرادته الحرة ، دون أن يفرض نفسه علي الإنسان أن يعيش معه مجبرا .
+ الإنسان مخلوق على صورة الله و مثاله في الإرادة و حرية الإختيار.
فالعبد المجبر علي حب سيده، يعيش مع سيده عن قهر وإضطرار .
2/الطبيعة العاقلة للإنسان هي طبيعة لديها القدرة على الإختيار.
3/الفضيلة يجب ان تكون بإرادة حرة، و ليس عن إجبار، لذلك فالمسيحية لاتعرف الفروض.
4/الوصية هي التي أثبتت للإنسان أنه يملك حرية الإختيار ( بين طاعة الله أو التمرد ورفض طاعة الوصية ) .
لقد أعطي الله الوصية للإنسان لكي تسند إرادة الإنسان، فلايفقد النعمة، ولأن الله كان يريد أن الإنسان يحفظ النعمة فهيأ الله له :
أ) جنة عدن كي يعيش فيها الإنسان .
ب) الوصية : لو أن الانسان حفظ الوصية و بقي أمينا مع الله ، كان سيعيش في جنة عدن ، وكان سيستحق أن يتحد بالله ، ومن ثم يعيش مع الله الأبدية السعيدة في الملكوت .
5/ حفظت الوصية آدم من الوقوع في الكبرياء ، فبعدما كلف الله آدم بتسمية الحيوانات ” فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا ” ( تك 2 : 19 )، كان لابد أن يعرف آدم أن الكرامة يلزمها مسئولية
يري القديس يوحنا ذهبي الفم أنه لافرق بين كلمة الوصية وكلمة الشريعة او الناموس ويري دائما أن الله يضع الوصية لأجل خير الإنسان وفائدته .
هنا يجب أن نذكر عدة أمور :
أ) الله لم يترك الانسان امام الوصية بمفرده ، لكنه اعطاه الحكمة و العقل و الحرية ( خلق الله الإنسان علي صورته ومثاله ) ،و لم تكن الوصية تعجيزية أو فوق قدرة الانسان
ب)الله لم يعطي الوصية لآدم لإمتحان طاعته .. لأن في هذه الحالة الوصية ستصبح وسيلة تحكم من الله في أبينا آدم ، ويسلب حرية آدم و قدرته علي الإختيار ( الله كلي الصلاح و الخير ، و لايمكن أن يعطي الانسان شيئا يضره أو فخا )
ج)الوصية كانت الوسيلة التي يستطيع أن يعبر من خلالها أبوينا عن حبهما لله ، فطالما لم يمد أبوينا أياديهما للشجرة ، فهذا دليلا علي محبتهما لله وحفظ وصاياه .
سؤال : طالما ربنا عارف أن آدم سيسقط ، فلماذا أعطاه الله الوصية وهذا الإختبار الصعب ؟
- إن معرفة الله للزمن والأحداث هو أمر فوق مستوي إدراكنا و معرفتنا ،فالله كامل المعرفة و ليس عنده ماضي/حاضر /مستقبل، فهوكاشف الزمن ، بل أن الله فوق الزمن.
- يجب أن نفهم الفارق بين سماح الله و ارادته :
ارادة الله : أن آدم يعيش حياته كلها في الفردوس ، ويثبت أنه جدير ببنوته لله ، وينتقل بوضع ما للملكوت لكي يتحد بالله ( اتحاد نعمة طبعا)
سماح الله : أن الله ظابط الكل ، لايمكن أن يحدث أمرا بدون علمه أو سماحه ، لكن ليس كل ما يسمح به الله هو إرادته .
+ الله يحترم حرية و ارادة الانسان وهذا مايجعل الإنسان قد يختار الخير او الشر .
إن الوصية مسؤلية، و حرية بدون مسؤلية هي فوضي و حرية منقوصة لا تليق بإنسان خلق علي صورة الله ومثاله .
المراجع :
- يوحنا ذهبي الفم ، القديس . عظات علي سفر التكوين .القاهرة : مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الأبائية ، 2017 .
- جرجس، أرشيدياكون نجيب . سفر التكوين .شبرا : بيت مدارس الأحد ، 2001 .
- 3- اسكندر،عماد موريس . تدبير ملء الأزمنة . مراجعة جوزيف موريس . مصر الجديدة: مركز باناريون للتراث الأبائي ، 2019 .